المشاركات

Featured post

مرثية صمت طويل لـ نجاح ابراهيم

صورة
"منذُ خمسينَ عاماً، لولا سوء التفاهم ذاك، ولولا تلك الغلطة، ولولا الحادث الذي فصلَ بيننا، لكان بالإمكان أن يكون بيننا شيءٌ ما." لهجةُ كهلٍ جميلٍ يلتقي جميلة قديمة. "سارتر" ثمة قلق تعنقدَ في داخلها. ساح في أجمات النفس. دهمها كما الشّائعة. قلق مباغت وجارف. مضى زمنٌ لم يأتِ بهذا الشكل العنيف! لهذا فقد بثّ فيها حركة بعد أن كانت غارقة برميم السكينة، وغبار السنين. امتدّت يدٌ مجعّدةٌ مترهلةٌ إلى علبةِ السكائرِ. أخذتْ واحدةً، ألقتها المرأةُ بين شفتيها. دخّنت بشراهةٍ وهي تنظر من وراءِ زجاجِ النافذة إلى الشارعِ. كان الجو بارداً. ولونُ السماءِ باهتاً. أما الأشجارُ فقد بدت مرتجفةً، تتمايل أغصانُها مع الرّيحِ النّائحةِ في لحظةِ تعاضدٍ غريبةٍ. أسدلت المرأة الستارة بصمت. مضت تصنع فنجاناً من القهوة، ثمّ طاب لها الجلوس وراء الطاولة المهملة منذ أمد، فالتمع بياض الورق المسجّى أمامها. مما دفعها لأن تمسك بالقلم البارد باشتهاء شديد لتبدأ الكتابة. لم تدرِ كيف انثالت الكلماتُ من رُدُهاتِ العُمْقِ؟ وكيف تناسلت، وولد

تكوين

صورة
تكوين عبد الكريم الساعدي كنتُ كتلة من طين حري، أوشكتْ على التحجر، مرمية فوق طاولة صغيرة، قرب نافذة ترتدي ستارة حمراء، تطلّ على حديقة منزل باذخ بالهدوء والسكينة، ثمة أشياء تجاورني، شفرات، قطعة خشبية مسطّحة، قطعة بلاستيكية مستطيلة الشكل بحجم قبضة اليد، تتوسطها شمعة بيضاء، صغيرة،  لم يشتعل فتيلها بعد، آنية من فخار لأزهار صناعية، تتكئ عليها صورة لفتى وسيم، يرتدي معطفاً أسود، ترتسم على محياه ملامح الحزن، عيناه ترقبان جفافي، تحاصران وجودي بالدمع، أخلع عباءة صمتي، أسأله: - من أنت؟  لم يعرني جواباً. الشك يشهر عريه، أحتسي قلقي، خدر الإهمال، جحيم وحدتي، أنزف ما تبقى من بلل، أقبع في ظلام الوحشة، أحلّق في فضاء التذكّر، يا ترى من يكون؟. تبعثرني ريح النسيان، تسكنني الحيرة، ألثم خدّ الأمل، لعلّه ينطق ذات يوم؛ ليبدّد جنون فضولي. في الصباح يوقظني صرير الباب، تدخل امرأة جميلة، يسبقها عطرها، تفيض عذوبة ورقّة، تتجه نحو النافذة، تفتحها، تلتفت نحو الصورة، تمسح ما تعلّق من غبار بها، تبتسم في وجه الفتى الوسيم، تقبّله، تحدّثه همساً، تمتدّ يدها نحوي، تغمرني بدفئها، تسكب قليلاً من الماء عليّ، يخالني